عــــزة الإســــــلام
في زمن الغربة الثانية وفي عصر تكالب أعداء الأمة عليها من كل حدب وصوب كان لا بد لنا من ان نرجع إلى عصور النور لنعرف كيف كانوا لكيي نسير على خطاهم وفي عصر رأينا الذلة في نفوس كثير من أبناء الإسلام فكان لا بد لنا من العودة إلى عصور العزة نستلهم منها الأسوة والقدوة فإليك هذا المشهد من عزنا وفخرنا .
لما وصل عمرو بن العاص إلى مصر بعث إلى المقوقس حاكم مصر عشرة رجال وعلى رأسهم عبادة بن الصامت وأمره عليهم وكان عبادة شديد السواد مفرط الطول مهاباً فلما دخلوا على المقوقس قال : نحوا عني هذا الأسود وقدموا غيره ليكلمني ، فقالوا : هذا أفضلنا رأياً وعلما ً مقدم علينا ، نرجع جميعا إلى رأيه وقوله ، أمره الأمير علينا وأمرنا ألا نخالفه وإن الأسود والأبيض عندنا سواء لا يفضل أحد أحداً إلا بدينه وتقواه ، فأومأ المقوقس إليه أن تكلم في هدوء . فقال عبادة : إن فيمن خلفت من أصحابي ألف رجل مثلي وأشد وأفظع سواداً مني لو رأيتهم كنت أهيب لهم مني ولقد وليت وأدبر شبابي وإني مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة من عدوي لو استقبلوني جميعاً وأصحابي همُ همُ ............
رغبتنا وهمتنا الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله . ووالله ما يبالي أحدنا إن كان له قناطير الذهب أم كان لا يملك إلا الدرهم ، نعيم الدنيا ليس بنعيم ورخاؤها ليس برخاء بذلك أمرنا الله وهي وصية نبينا صلى الله عليه وسلم .
فوقع الكلام في نفس المقوقس موقعاً عظيماً فقال المقوقس لأصحابه : هل سمعتم مثل هذا قط لقد هبت منظره وان كلامه أهيب عندي من منظره وما أظن ملكهم إلا سيغلب الأرض كلها .ثم أقبل على عبادة ليسلك معه طريق الإرهاب المغلف في قالب النصح ، فقال له لقد سمعت مقالتك ولعمري إنكم ما ظهرتم على من ظهرتم إلا بحب الدنيا ولقد توجه للقائكم ما لا يحصى عدده من جنود الروم ما يبالي أحدهم من لقي ولا من قاتل ونحن تطيب نفوسنا ان نصالحكم فنفرض لكل رجل دينارين ولأميركم مائة ولخليفتكم الفاً ، خذوها وانقلبوا إلى بلادكم قبل أنى يغشاكم ما لا قبل لكم به . فقال عبادة : يا هذا لا تغرنك نفسك ولا يغرنك أصحابك لعمر الله ما هذا بالذي تخوفنا به وما هذا بالذي يردنا عما نحن فيه فلو قتلنا عن آخرنا كان أمكن لنا في رضوان الله ، ووالله ما منا رجل إلا يدعو ربه صباح مساء أن يرزقه الله الشهادة وألا يرده إلى أرضه واهله .
فليس لكم إلا خصلة من ثلاث " الإسلام ،أو الجزية ، أو القتال " فاختر ما شئت.... بهذا أمرنا أميرنا وبهذا أمره أمير المؤمنين وهو عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل إلينا . فأراد المقوقس أن يستنـزله عن شئ منها فوقع كلامه على آذان صماء من عبادة . ورفع عبادة يده يشير إلى السماء مرة ويخفضها إلى الأرض مرة ويبعثها مرة ، ويقول لا ورب هذه السماء ، لا ورب هذه الأرض ، لا ورب كل شئ ما لكم عندنا غير هذه الثلاث . فبدأ المقوقس يشاور قومه فامتنعوا عن الإسلام ثم امتنعوا عن الجزية وقالوا لو دفعناها لهم فلا نعدو ان نكون لهم عبيدا وللموت خير من هذا فقال المقوقس لقومه أجيبوني فلا طاقة لكم بقتال القوم فرفضوا العروض الثلاث ، فقاتلهم المسلمون فهزموهم وذلوا وصغروا وخضعوا ، وقال لهم المقوقس لقد أخبرتكم فلم تطيعونني فذلوا ودفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
قال تعالى :" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" ( التوبة 29 . )
_________________________________
المرجع : علو الهمة / الدكتور محمد إسماعيل المقدم حفظه الله .
وإلى لقاء آخر إن شاء الله .